ما السبب وراء أهمية حجم السوق الخاص بك؟
هناك ثلاثة أسبابٍ تفسّر أهمّية قضاء بعض الوقت في تحليل رؤيتك وتفصيلها لحجم السوق.
السبب اﻷول: وهو واضح ومعروف على نطاق واسع، يبيّن حجم السوق الخاصّ بك الحد اﻷقصى الذي يمكنك الوصول إليه في تنمية شركتك (العائدات) دون الحاجة إلى إضافة المزيد من المنتجات أو القيام بأمور جديدة لتحقيق زيادةٍ في حجم السوق الخاصّ بك.
السبب الثاني: هو أن المستثمرين يرغبون في رؤية طريقة تفكيرك تجاه الجوانب المُختلفة من حجم السوق (سنبيّن هذا بعد قليل)، والطريقة التي تتبعها في التغلُّب على هذه اﻷمور مع مرور الوقت.
السبب الثالث: هو أنّ ذلك يعطي الفرصة لتثقيف المُستثمرين المُحتملين وشركائك في المشروع التجاريّ حول السوق من وجهة نظرك الشخصية، وبالخصوص إن كنت تملك منتجًا مبتكَرًا أو منتجًا ﻻ يتطلَّب المزيدَ من الشرح كي يفهمه اﻵخرون.
ولكن ما هو الحجم الكافي؟
غالبًا ما يكون هناك تبادُل بين حجم السوق وحصتك السوقيّة المعقولة عبر الزمن. على سبيل المثال، فإن حصولك على حصة 2% في سوق قيمته 10 مليارات دولار سيعود عليك بنفس العائدات في حال حصولك على حصة 20% من سوق قيمته مليار دولار، أو 80% من سوق قيمته 250 مليون دولار.
القيمة واحدة في الحالات الثلاث، وهي 200 مليون دولار. ولكن في حال حصلت على حصة 80% فلن يكون هناك متّسعٌ للنمو، إلا إذا كان ذلك السوق ينمو بسرعةٍ كبيرةٍ.
وفي حالة الحصول على حصة 2%، فأنت لاعب صغير جدًّا في هذا السوق، ولكن.. إن كان مجال عملك مُبتكَرًا جدًّا، ناميًا ويسعى خلفه أصحاب الحصص السوقيّة الكبيرة، فإنّ هذه الحصّة ستكون جيّدة.
وبعبارة أخرى، بإمكان هذا الأمر أن يجعلك تحصل على عروض شراءٍ (للشّركة النّاشئة) تكون مُغرية جدًا. أو سيمنحك هذا فرصةَ التوسع إلى أجزاء مجاورة وقريبة من سوقك المُستهدف الحالي؛ لتستمر في تحقيق النمو وتحقيق أفضل مكانة مُمكنة في السّوق.
وإن اكتشفت لاحقًا خللًا أو نقصًا في قيمة العروض اﻷوليّة أو نموذج المشروع التجاريّ الخاص بك، فسيكون لديك حينها متّسعٌ لإعادة التّمحور وتحقيق النجاح.
وكما ترى.. فهناك الكثير من الخَيارات المُتاحة في كِلتا الحالتين، ما دام حجم السوق كبيرًا.
وكقاعدة عامة، فاﻷسواق الكبيرة أفضل من اﻷسواق الصغيرة، والأسواق التي تحقِّق نسب نمو مرتفعة أو تلك التي يمكن تحريكها ببعض اﻷفكار المُبتكرة، تكون مفضَّلة على اﻷسواق الراكدة. اﻷمر اﻷساسي هنا هو فهم ديناميكية السوق الخاص بك، وكيف يمكنك التلاؤم معها، وكيف يمكنك تفسير هذا كله، وبشكلٍ جيدٍ للمُستثمرين والشركاء المهمّين.
السوق الكُليّ المتوفر: Total Available Market، أو اختصارًا (TAM):
هو السوق الكُلي المتوفّر والبسيط من الناحية النظرية، ويعرّف بأنّه مقدار اﻷموال التي ستحصل عليها عندما تبيع ما تقدّمه من منتجات إلى جميع زبائن السوق الخاصّ بك، حتى لو لم يكن بعض الزّبائن مثاليين لمُنتج الآن. لنلقِ نظرة على بعض اﻷمثلة لتتضح الصورة بشكلٍ أكبر:
* الشّركات:
لنفترض أنّك تملك منتجًا تقوم ببيعه للشّركات الكبيرة بسعر 150,000$ كمعدّل. ولنفترض أيضًا أن السوق الكُليّ المتوفر هو جميع المنظمات الموجودة في قوائم Fortune 5000 و Forbes Global 2000 و Fortune Largest Private Companies.
لنفرض اﻵن أنّنا حصلنا على 8000 منظمة مختلفة فقط (هناك شركات تظهر في أكثر من قائمة).
– ستكون قيمة السوق الكليّ المتوفّر هي 1.2 مليار دولار ($150,000 × 8,000).
لنفترض أنّك تبيع تطبيقًا للهواتف الذكية بسعر 4.99$، وفي زمن كتابة هذا المقال، فإنّ عدد مُستخدمي الهواتف الذكيّة يصل إلى ما يُقارب الملياريّ مستخدم، لذا ستكون قيمة السوق الكلي المتوفر هي 10 مليارات دولار (4.99$ × 2 مليار).
لنفترض أنّك تقدّم منتجًا فريدًا لسوق الرعاية الصحية المنزلية، وأنّك تحصل على نسبة 1% من قيمة ما ينفقه مزودو خدمة الرعاية المنزلية عند استخدامهم لهذا المنتج.
ولنفترض كذلك أن حجم الإنفاق العالمي على خدمات الرعاية الصحيّة يصل إلى 350 مليار دولار، ستكون قيمة السوق الكُليّ المتوفّر حينئذ 3.5 مليار دولار (1% × 350 مليار دولار).
وسّع آفاق تفكيرك عندما تقدّر قيمة السوق الكُليّ المتوفّر، ولكن لا تذهب بخيالاتك بعيدًا جدًّا، لاحظ مثلًا أنّني عندما قدّرت عدد الشّركات الكبيرة لمْ أُدخِل في حساباتي جميع المشاريع التجارية مهما كان حجمها، وبالنسبة إلى العملاء، فلمْ تتضمن حساباتي جميع سكّان الكرة اﻷرضية.
ﻻحظ
استخدام أحد الأمثلة لمقدار اﻹنفاق الكُلي ضمن السوق (المثال الثالث) بدلًا من المقادير القياسية مثل عدد الشّركات الكبيرة أو عدد المستخدمين.
يمكن اﻻستفادة من مقدار إنفاق السوق في وصف حجم السوق الخاصّ بك، ما دامت عائداتك مرتبطة بالمقدار الكُلي الذي يتم إنفاقه في مجال معيّن، كما هو الحال في المثال الذي وضّحته سابقًا.
السوق القابل للخدمة: Serviceable Market، أو اختصارًا (SAM):
قد لا تتمكن من تحقيق النموّ اللازم للتوجّه إلى سوقك الخاصّ بأكمله، وهذا يعني أنك تستطيع تقديم الخدمات إلى شريحة مُحدّدة منه. تُدعى هذه الشريحة بالسوق القابل للخِدمة (أي السّوق الذي يُمكنك تقديم خدمات له).
يمكن لسوقك القابل للخِدمة أن ينمو عندما يتّسع نطاق عملك جغرافيًا أو عند تضمينك لنماذج تجارية جديدة وقنوات بيع جديدة. لنحاول معرفة مقدار السوق القابل للخِدمة مستعينين باﻷمثلة السابقة.
* الشّركات:
لنفترض أنّ موظّفي الدعم الفني والمبيعات في شركتك يتواجدون في الولايات المتحدة اﻷمريكية فقط، ومنتجك مُتوفّر باللغة الإنجليزية فقط. وهو مفيد الآن فقط للشّركات التي تملك مراكز بيانات متعددة ومنتشرة في أماكن مختلفة. من أصل 8000 شركة لا يتوافق مع هذه المعايير سوى 3000 شركة فقط، لذا.. فإن سوقك القابل للخِدمة هو 450 مليون دولار (150,000$ × 3000).
* المُستهلكون:
لنفترض أن تطبيق الهواتف الذكية الخاص بك يعمل على أجهزة Android وباللغة اﻹنجليزية فقط. من أصل 2 مليار مستخدم للهواتف النقالة بهذه المعايير، هناك 500 مليون مستخدم فقط تتطابق عليهم هذه المعايير، لذا يكون سوقك القابل للخِدمة 2.5 مليار دولار (4.99$ × 500 مليون).
* إنفاق السوق:
لنفترض أنّ لديك ترخيصًا قانونيًا لبيع منتجك الخاصّ بالرعاية الصحّيّة المنزلية في الولايات المتحدة اﻷمريكية فقط، حيث يتم إنفاق 50 مليار دولار سنويًا على هذا القطاع.
– إذًا.. يكون سوقك القابل للخِدمة 500 مليون دولار (1% من 50 مليار دولار).
السوق المُستهدف الابتدائي Initial Target Market:
كثيرًا ما يكون السّوق المُستهدف الابتدائي الخاصّ بك أصغر من السوق القابل للخِدمة، وذلك ﻷنّك تعرف أن شريحة من السوق القابل للخِدمة ستنجذب إلى المنتج الذي ستقدّمه.
على سبيل المثال، قد يلائم المنتج الخاص بالشّركات في المثال السابق قطاعات الخدمات الماليّة وخدمات التأمين، ونتيجة لذلك.. ستعتمد الشركة خطابًا ونظام تسعير وقنوات بيع محسّنة لتستهدف بها قطاع الخدمات المالية ومزودي خدمات التأمين.
أما بالنسبة إلى المُستهلكين، فيمكن أن يتوجّه المنتج الذي تقدّمه إلى النساء فقط واللاتي تتراوح أعمارهنّ بين 25 و39 سنة، واللاتي يمتلكن أطفالًا أيضًا.
أعتقد أنّك قد فهمت الفكرة، يبدو اﻷمر كمرشِّح (Filter) أمام السوق القابل للخِدمة، يحدّد الشريحة التي تستهدفها في هذه المرحلة.
كيف تُخاطب المستثمرين بشأن حجم السوق الخاص بك؟
يجب أن تحذر من حصول بعض حالات سوء الفهم العرضيّة عندما تتحدّث عن حجم السوق الخاصّ بك أمام المستثمرين، إذ يعتقد بعض المستثمرين أن حجم السوق هو السوق القابل للخِدمة وليس السوق الكليّ المتوفّر، لذا.. حين تخبرهم أن حجم السوق الخاص بالمنتج الذي ستقدّمه للمستهلكين هو 10 مليارات دولار (كما في المثال السابق) سينظر المستثمرون إلى كلامك على أنّه ضرب من الجنون وأنّك بعيد كل البعد عن الصواب.
في الواقع، يمكن أن تحصل على العبارة التالية عندما تدمج الأنواع الثلاثة لحجم السوق والتي ذكرناها في هذا المقال: “بعد أن نطلق منتجنا في الشهر القادم مستهدفين بذلك سوقنا الابتدائيّ المُتمثّل في شريحة المُراهقين في الولايات المتحدّة والذين يمتلكون أجهزة هواتف ذكية تعمل بنظام Android، سنقّدم خدماتنا إلى سوق بحجم 250 مليون دولار، ولكن بعد دعم نظام iOS وإضافة الميزة XYZ الخاصّة بطلاب الجامعات في وقت ﻻحق من هذه السنة، سنقدم خدماتنا إلى سوق بحجم مليار دولار. ونتوقع بعد مرور ثلاث سنوات أن نعقد شراكة مع 3 من أصل أفضل 10 مصنعين للهواتف الذكية في العالم، اﻷمر الذي سيوسّع حجم السوق الخاصّ بنا إلى 5 مليارات دولار”.
الخُلاصة
إن حجم السوق الخاصّ بك من الجوانب المهمة والضرورية في خطة العمل الخاصّة بك وما ينتج عنها من محادثات مع المستثمرين. ومن الضروري بمكان أن تجري بعض اﻷبحاث لتصل إلى نماذج وافتراضات معقولة يمكنك من خلالها تقدير حجم السوق الخاصّ بك وبأنواعه الثلاثة.
وإن جوبهت بالمعارضة، فدافع عن نفسك مستندًا إلى منهجيتك في البحث والافتراضات التي وضعتها على هذا اﻷساس، وإن لم تستطع إقناع المستثمر بحجم السوق الخاصّ بك، فاعلم أنّ هناك مشكلة في الافتراضات التي وضعتها وأنّ عليك إعادة حساباتك مرة أخرى.
ولا تنسَ كذلك تضمين بعض العوامل اﻷخرى مثل نمو السوق وفرص الابتكار والانفتاح عندما تتحدث حول السوق الخاص بك. يمكن لهذه العوامل أن تكون جذّابة بل ربّما تكون أكثر جذبًا حتّى من مجرد التطرّق لحجم السوق وحسب.